إن من أهم المبادئ والسياسات التي تسعى الدول إلى تحقيقها في خططها التنموية المستقبلية، مبدأ وسياسة إحلال الكادر الوطني محل الكادر الأجنبي سواء كانوا موظفين أو عمالا، وقطر ليست استثناء في هذا الموضوع، وإنما هي تسعى بسياساتها وقوانينها إلى التقطير.
وهناك نصوص تشريعية تكفل هذا التقطير وذلك الإحلال، منها المادة (28) من الدستور الدائم التي تضع على عاتق الدولة مسؤولية توفير فرص العمل للمواطنين.
ومنها المادة (14) من قانون إدارة الموارد البشرية التي تمنح الأولوية في شغل الوظيفة العامة للقطريين، حيث تنص على ما يلي «يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف: 1- أن يكون قطري الجنسية. فإن لم يوجد فتكون الأولوية لأبناء القطرية المتزوجة من غير القطري. ثم الزوج غير القطري المتزوج من قطرية أو قطري. ثم مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ثم مواطني الدول العربية. ثم الجنسيات الأخرى».
ومنها المادة (18) من قانون العمل التي تنص على أن «تكون الأولوية في الاستخدام للعمال القطريين، ويجوز استخدام غيرهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك».
والتقطير يختلف اتساعا وضيقا حسب الظروف، وسوق العمالة المحلية ووجود الكادر الوطني المتخصص، ولكن الذي يلاحظ أن هناك عددا كبيرا من الموظفين الأجانب الذين يشغلون عددا لا يحصى من الوظائف غير الفنية أو التي لا تتطلب مهارة وخبرة عالية، مع وجود بطالة في صفوف القطريين متوسطي التعليم، وأقصد بهم الذين لم يقبلوا لسبب من الأسباب في صفوف القوات المسلحة وقوات الشرطة سواء كان سببا صحيا أو غيره من الأسباب، والسؤال: ألا يمكن إحلالهم مكان هؤلاء الأجانب لكي يساعدوا في بناء وطنهم وإعالة أسرهم، خصوصا أن الدراسات في هذا الموضوع تشير إلى أن %30 من قوة العمل القطرية من حملة الثانوية والإعدادية، وهذا ما أكدته أوراق العمل في منتدى سوق العمل الذي أقيم في الدوحة منذ فترة.
إن البطالة تتضخم عندنا، ويكفي أن نستمع لبرنامج «وطني الحبيب صباح الخير» حتى نعرف حجم المشكلة واتساع القضية، ولا يخفى على أحد الآثار المدمرة للبطالة، حيث إن عدم الحصول على وظيفة وعمل شريف يجعل الحياة «هماً بالليل وذلاً بالنهار» ويجعل العاطل أقرب الناس إلى الجريمة بسبب ضغط الحاجة.
إن الوظائف الحكومية البسيطة التي لا تحتاج لعبقرية أينشتاين ولا موسوعية العقاد كثيرة ولله الحمد والمنة، وموجودة بكثرة سواء في الوزارات أو الإدارات الحكومية أو الهيئات العامة، وأيضا الوظائف الإدارية في المراكز الصحية المختلفة، وأيضا أمناء المكتبات وموظفوها وغيرها كثير. ويمكن للعاطلين عن العمل من الشباب والشابات القطريين قليلي الحظ من التعليم أن يشغلوا هذه الوظائف بقليل من التدريب والتوجيه. وبمناسبة فعاليات المعرض المهني الرابع الذي افتتحه يوم الأحد الماضي نائب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ويستمر حتى الخميس المقبل نحث الجهات المسؤولة عن هذا المعرض على تذليل الصعاب وتوفير الفرص أمام الشباب القطري الباحث عن العمل سواء منهم متوسطو التعليم أم خريجو الجامعات وفتح الطرق المغلقة ليتمكنوا من كتابة الفصل القادم من نجاح قطر!!.. وأن تبتعد عن روح الاحتفالية وتشارك بفعالية في تقليص نسب البطالة بين الشباب القطري.. لأن السنوات السابقة لهذا المعرض لم تكن ذات جدوى في هذا المجال ولم ترتق لمستوى طموح العاطلين عن العمل من الشباب فيها.. فهل نتفاءل بالخير في هذه السنة أم أن المعرض سوف يمر مر الكرام من أمام أعين هؤلاء الشباب، وبذلك لا يحقق هدفه في رسم خارطة طريق لمستقبل من يخاطبهم سواء في المجال التعليمي أم الوظيفي.. لهذا أدعو هذه الجهات لإتاحة الفرصة أمام شباب قطر لإثبات جدارتهم بثقة ولي العهد الشيخ تميم حفظه الله «في أن سواعدهم ستحقق المزيد من المنجزات لهذا الوطن الغالي ليحتل المكانة التي تليق به بين الأمم». ومن الأمور الجديرة بالذكر هنا أن التقاعد الإجباري الذي أصبح ديدن كثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات القطرية يشكل رافدا ومصدرا مهما لاتساع نطاق البطالة، فالشخص الذي يحال إلى البند المركزي وهو في عز شبابه وكامل صحته الوظيفية يعد رقما جديدا في ظاهرة البطالة، حتى ولو حصل على معاشه من هيئة التقاعد، لأن البطالة لا تعني فقط فقدان المورد المالي، وإنما تعني أيضا أن الشخص قادر على القيام بالعمل، ومع ذلك لا يستطيع الوصول إليه.
والغريب في أمر التقاعد الإجباري أن الدراسات تثبت أن قلة عدد السكان في منطقة الخليج بشكل عام وفي دولة قطر على وجه الخصوص من أكبر الإعاقات في خطط التنمية والتقدم، فكيف يتصور ذلك مع وجود تقاعد مبكر عندنا لا يستهان بحجمه، وهذه المعادلة الغريبة دليل على أن هناك خللا يحتاج لتضافر الجهود المخلصة لتجاوزه.
فمتى ينتهي التقاعد بحد السيف؟ ومتى يتم تطبيق التقطير بشكل فاعل.. ومتى يتم إعادة تأهيل من خرج من معادلة بناء الوطن بقرار إداري متسرع يحيله إلى التقاعد المبكر وهو ما زال في سن العطاء؟
وفي آخر مقالي استغربت لتصريحات سعادة السيد عبد الله بن حمد العطية نائب رئيس مجلس الوزراء التي أطلقها عند افتتاح معرض قطر المهني لهذه السنة والتي كرر فيها ما قال في العام الماضي من أن دولة قطر لا توجد بها بطالة لأن العرض أكثر من الطلب، وأن قطر من الدول القلائل التي لا توجد بها مشكلة بطالة بالنسبة للقطريين.. إذا كان هذا صحيح فلله الحمد والمنة ولكن تعداد السكان والمساكن والمنشآت في قطر لعام 2010 الذي صدر في 20 أكتوبر 2010 يقول غير ذلك، أو هكذا فهمت وجل من لا يخطئ.. حيث يذكر تحت خانة القطريين النشطين اقتصاديا، وفي مربع من يبحث عن وظيفة ولم يسبق له العمل نسبة %3.4 من العدد الإجمالي للقطريين النشطين اقتصاديا الذي يبلغ 74.087 شخصاً، وبذلك نعرف أن عدد العاطلين عن العمل هو 2.514، الذكور منهم 637 شخصاً والإناث 1.877. لهذا نوصي برفع اللثام وكشف الحقائق للرأي العام عن هذا الأمر من أجل تعزيز ثقافة الشفافية والموضوعية.. وحتى نقوم بالاجتهاد في مورد الأرقام لأن معرفة الداء بداية الطريق لاستخدام الدواء الصحيح.. والسلام.