«تضمن كل الدساتير العربية مبدأ المساواة أمام القانون بلغة واضحة مستقيمة، تقضي بأن كل «الناس» أو «المواطنين» سواسية أمام القانون، وما ورد في المادة «40» من الدستور الدائم المصري الصادر في سنة 1971، التي تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، يمثل الصيغة المعتادة المستخدمة في معظم الدساتير العربية الأخرى.
ومع ذلك هناك قيود تحول دون تمتع المواطنين العرب رجالا ونساء بحقوقهم خصوصا الحقوق السياسية على أرض الواقع، ومن أهم المعوقات أن معظم بنود الدساتير العربية المتعلقة بالحقوق السياسية للمواطنين تحيل تفصيل هذه الحقوق وأوجه التمتع بها وحمايتها إلى القوانين الوطنية، وبوسعنا القول في هذا المقام «إن هذه القوانين تنظم هذه الحقوق بشكل ضيق الأفق يفرغ معظم هذه الحقوق من مضمونها» فاتح سميح عزام / الحقوق المدنية والسياسية في الدساتير العربية.
إن مقالي هذا سوف يتطرق لبعض النصوص التشريعية المرتبطة بنفس موضوع المقدمة ونفس السياق.
نصت المادة (34) من الدستور القطري الدائم على أن «المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة». ومن الحقوق العامة، ولاشك الحقوق السياسية، ومن أهمها لا ريب حق الانتخاب وحق الترشيح للمجالس النيابية.
وتقرر المادة (42) من الدستور ما يلي «تكفل الدولة حق الانتخاب والترشيح للمواطنين وفقا للقانون».
ومفهوم الكفالة المقصود هنا أن الدولة من حقها تنظيم الحصول على الحق، ووضع شروط معينة لاستحقاقه، ولكن لا يعني الحرمان من الحق بشكل دائم.
والمادة (146) من الدستور أحاطت حقوق المواطنين بالضمانات الكافية، لهذا جاءت بنص واضح في هذه المسألة عندما قررت أن «الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات العامة لا يجوز طلب تعديلها إلا في الحدود التي يكون الغرض منها منح مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن».
والمذكرة التفسيرية للدستور القطري الدائم تحدد إطار هذه المادة بقولها «في هذه المادة يشمل الحظر الدائم الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات العامة نظرا لأهميتها في حياة المواطن، وعلى ذلك لا يجوز بأي حال تعديل هذه الأحكام إلا إذا كان ذلك التعديل يهدف إلى إعطاء المزيد من الضمانات لصالح المواطن، وبالتالي فإن الحظر الدائم المقصود في هذه المادة – تقصد المادة (146)- هو الذي يمنع التعديل بالحذف، ولكنه يبيح التعديل بالإضافة متى كانت هذه الإضافة تصب في صالح المواطن».
أي باختصار إن الحقوق العامة، ومنها السياسية، لا يجوز المساس بها إلا بالزيادة.
وبعد هذا السرد لهذه النصوص الدستورية المشرقة نرى هل القوانين الأخرى كانت ضيقة الأفق ومقيدة لواسع نظر الدستور الدائم القطري؟
في البداية نعلم أن الدستور الدائم القطري صدر في 8-6-2004، ونشر في 8-6-2005 بعد إجراء الاستفتاء عليه بتاريخ 29-4-2003، وموافقة الغالبية العظمى من المواطنين عليه. وبهذا نعلم أن قانون الجنسية السابق رقم (2) لسنة 1961 كان هو القانون الساري المفعول لحين صدور الدستور الدائم.
والمادة (8) من قانون الجنسية السابق رقم (2) لسنة 1961 تنص على أنه لا يحق للمتجنس «الانتخاب أو الترشيح أو التعيين عضوا في أية هيئة نيابية قبل انقضاء عشر سنوات» من تاريخ كسب الجنسية طبعا، ومن المعلوم أن الهيئة النيابية تشمل المجالس البلدية والتشريعية.. والمادة (15) من قانون الجنسية الجديد رقم (38) لسنة 2005 الذي صدر في 30-10-2005 ونشر في 29-12-2005 أي بعد صدور ونشر الدستور الدائم، تقرر أن «لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية».
إذن ألا يخالف هذا الحرمان المطلق في هذه المادة ما نصت عليه المادة (146) من الدستور الدائم التي تشترط لتعديل الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات العامة أن يصب هذا التعديل في صالح المواطن، سواء كان هذا المواطن يحمل الجنسية الأصلية القطرية أو المكتسبة.
ونحن نعلم أن نصوص الدستور هي أساس المشروعية، وأن مواده هي القواعد القانونية الأساسية المنظمة للمجتمع والدولة وأنه يعلو ولا يعلى عليه في مجال الأدوات التشريعية الوضعية بالطبع، وأنه لو صدر قانون يخالف نص الدستور أو روحه فإنه يعاب بعدم المشروعية، ويستوجب الإلغاء، وهو ما يسمى الطعن بعدم الدستورية.
أعتقد أن هناك خللاً تشريعياً في هذا النطاق، ولن تغني المادة (41) من الدستور الدائم التي تنص على أن «الجنسية القطرية وأحكامها يحددها القانون وتكون لتلك الأحكام صفة دستورية». من إضفاء المشروعية على هذا التعارض، لأن الصفة الدستورية المقصودة هنا تعني أن قانون الجنسية لا يجوز تعديل مواده قبل مضي عشر سنوات، وهو ما يعرف بـ «الجمود الكلي المؤقت» انظر المادة (148) من الدستور، والمادة (144) منه التي تشترط لتعديل النصوص الدستورية -بعد انتهاء فترة الحظر وهي العشر سنوات- إجراءات معينة، إما أن تعارض نصوص قانون الجنسية نصوص الدستور نفسه، فهذه إشكالية قانونية تحتاج إلى معالجة، حتى ولو كانت الصفة الدستورية ممنوحة لمواد قانون الجنسية، لأن مواد الدستور تأتي في المقام الأول، وفي صدارة جميع النصوص التشريعية الممنوحة الصفة الدستورية.
والسلام