قال الله تعالى في أول آيات أنزلت “اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم”، (العلق: 1-5).
وهذه الآيات دليل ساطع قوي لما للقراءة من تقدير واحترام كبير في القرآن الكريم. وقال الله تعالى: “ن والقلم وما يسطرون”، (القلم الآية الأولى)، ومن معاني “ن” الدواة أو المحبرة أي زجاجة الحبر والله تعالى يقسم في هذه الآية بأدوات الكتابة وهو تشريف لها لأن الله لا يقسم إلا بعظيم. وقال الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهَّل الله له به طريقا إلى الجنة”.
والقراءة رأس العلم، وسوف تشهد أجواء الدوحة الثقافية في ليلة الغد “العرس الجماعي للمعرفة” بافتتاح معرض “خير جليس في الزمان” الدولي العشرون الذي انتظره عشاق الكتاب ومجانين القراءة على أحر من الجمر.
أقول إن حرارة هذا الانتظار لا يعرفها أو يتصورها إلا كل من أدمن متعة القراءة، واتخذ من الكتاب الخل الوفي في السراء والضراء. فللقراءة متعة وأي متعة، لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف، وهي متعة لا توازيها ولا تضاهيها متعة أخرى باستثناء متعة الكتابة، فهي الشقيقة التوأم للقراءة، ولولا القراءة ما وجدت الكتابة لها سوقا رائجة، والقراءة طريق ذو اتجاه واحد مباشر للكتابة، والكاتب دون قراءة متعمقة دائمة رأسية تخصصية وأفقية عامة كالذاهب للهيجاء بغير سلاح، فإما أن يقتل أو يهزم في طرفة عين، فكل إناء بما فيه ينضح، ومن حرم تذوق متعة القراءة لا يستطيع ولو أراد أن يمتع غيره بالكتابة، ففاقد الشيء لا يعطيه، والكتابة ليست فقط مشاعر على أوراق، وإنما هي فوق ذلك دليل إثبات معروض أمام القراء للتدليل على مدى ثقافة الكاتب.
ويكفي القراءة فخرا أنها أول كلمة نطق بها أشرف كتاب (القرآن العظيم) ويكفيها متعة أنها تستنطق الموتى وتترجم عن الأحياء.
لهذا كله فهي دعوة من “قارئ” لزيادة عدد القراء ونصيحة من مجرب للتزود بخير جليس في “الأنام” الكتاب، الذي قيل في حقه وشرفه “إن وعظ أسمع، وإن ألهى أمتع، وإن أبكى أدمع، وإن ضرب أوجع، يفيدك ولا يستفيد منك، ويزيدك ولا يستزيد منك”.
لذلك دعونا نشارك الثقافة في عرسها الجماعي وبهذه المناسبة أرى أن من حق الكتاب علينا ومن تعزيز ثقافة القراءة عندنا أن يفتتح معرض الكتاب سمو الأمير حفظه الله أبومشعل لأن في تشريفه ليوم الافتتاح تشريفا لفكرة المعرض ورفعا لشأن القراءة في المجتمع القطري.
وكلمة أخرى توجه لوزارة الثقافة والفنون والتراث الراعي الرسمي لهذا العرس الثقافي الكبير، أن تكون يا سعادة الوزير أولوية الوصول بالكتاب إلى أكبر قطاع من الجمهور على رأس اهتماماتكم، ولن يتحقق ذلك إلا بمراعاة أن تكون الأسعار في متناول الجميع وليست لـ”النخبة” فقط، لأن الكتاب من ضرورات الحياة وليس هو من الحاجيات أو التحسينات (الكماليات) فقط والشاعر قديما قال:

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

وأهم قائد للنفس “العقل” والعقل لا يتحرك من فراغ وإنما مخرجاته ترتقي كلما كانت مدخلاته راقية، والكتاب أهم مصادر المعرفة والرقي للعقل، لذلك نتمنى يا سعادة الوزير ألا يكون الربح المادي فقط هو سيد الموقف في معرض الكتاب هذا، حتى يتحقق الهدف المنشود من هذه المعارض بتوسيع قاعدة القراءة والقراء في المجتمع القطري، وتنكسر القاعدة الذهبية التي تقول إن المواطن القطري مواطن لا يقرأ، ونمحو الأمية الثقافية لدى الأمة العربية التي أصبحت من الخطورة بمكان حتى استدعت “التحذير” من قبل المنظمات الدولية المهتمة بالثقافة.
وحتى لا نتسبب في العنوسة المبكرة لـ”القراءة” بدعوى غلاء مهور “الكتب”، فهل تحقق يا سعادة الوزير لنا هذه الأمنية وتتحمل وزارة الثقافة تبعات كسر طوق الأمية الثقافية القطرية العربية! وذلك بتوفير الكتاب الجيد بالسعر المعقول، أم أن العائد المادي فقط سوف يكون “الفيصل” وفرس الرهان في هذا المعرض كالعادة، وكأنك “يا أبوزيد ما غزيت”.
والسلام.